- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( الأعلى ):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( الأعلى ).
1 ـ ورودُ اسم ( الأعلى ) في القرآن والسنة:
أيها الإخوة، ورد هذا الاسم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة، قال تعالى:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾
الفرقُ بين المطلَق والنسبيّ:
أريد أن أوضح لكم الفرق بين المطلق والنسبي:
قد نرى قاضياً أصدر ألف حكم، خمسة أحكام ليست عادلة، لكن بقية الأحكام عادلة، هو عندنا قاض عادل، لكن عدله نسبي، لكن إذا قلت: الله عز وجل عدلٌ، فعدله مطلق، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن يظلِمَ في ملكه مخلوقا، كمال الله مطلق، لكن المشكلة أحياناً أن الإنسان يحاول أن يبحث بعقله عن عدل الله، لا يمكن أن يدرك عدل الله بعقله إلا بحالة مستحيلة، أن يكون له علم كعلم الله، لذلك نحن جميعاً في حياتنا آلاف القصص نعرف الفصل الأخير منها، هذه القصص التي نعرف الفصل الأخير منها ليست صالحة للنشر، لكن بحكم علاقتنا الحميمة أحيانا نطلع علي قصة من أول فصل إلى آخره تتضح عدالة الله المطلقة، أنت حينما تؤمن أن أسماء الله حسنى وصفاته فضلى، أيْ أن عدله مطلق، رحمته مطلقة، حكمته مطلقة.
2 ـ من لوازم ( الأعلى ) أن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع لحكمة:
ولابد من توضيح الحقيقة بهذه العبارة، كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، إذا قلت: سبحان ربي الأعلى، إذا قرأت قوله تعالى:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾
كل أسمائه كاملة كمالاً مطلقاً، أما نحن بني البشر فيمكن أن نصف إنسانا بالعدل، وفي بعض أحكامهم حكم ليس كما ينبغي، يمكن أن نصف إنسانا بالرحمة، وفي بعض تصرفاته تصرف ليس كما ينبغي، لكن الإله العظيم إذا وصفته بأنه عادل أو رحيم أو حكيم فأسماءه حسنى، بمعنى مطلقة.
3 ـ من لوازم ( الأعلى ) أن الله لا يغفل عن أعمال العباد:
لكن مثلا: الله عز وجل قال:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾
أنت متى تنهى ؟ لو قلت لك: إياك أن تصل إلي الشمس، هذا كلام ليس له معنى إطلاقاً، لأنك لن تستطيع أن تصل إلي الشمس، لا يكون النهي نهيا حقيقيا إلا إذا كان بالإمكان أن يقع المنهي عنه، فقد أقول لك: لا تتأخر، يمكن أن تتأخر فأنهاك عن التأخر، لا تكذب، يمكن أن يكذب الإنسان فينهى الأب ابنه عن الكذب، فالنهي يعني أن المنهي عنه يمكن أن يقع، هذه الحقيقة الأولى.
إذا قال الله عز وجل:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾
معنى ذلك أنه قد يبدو لبعض البشر أو لمعظم البشر اليوم، اليوم بذات أن الله غافل عما يعمل الظالمون، فلحكمة بالغة الإله العظيم له امتحان صعب، ونحن واقعون فيه، هذا الامتحان الصعب بأنْ يقوّي أعداءه، إلى أن يفعلوا ما يريدون فيما يبدو لقاصري النظر، إلى أن يقول ضعيف الإيمان: أين الله ؟ وقد قيل: أين الله.
تجد بلادا إسلامية مضطهدة، مسلوبة الإرادة، أمرها ليس بيدها، ليست كلمتها هي العليا، تعوم علي ثروات هائلة، لها موقع استراتيجي رائع، ومع ذلك حرب عالمية ثالثة معلنة علي هذا الدين في كل أنحاء الأرض، فالإنسان في ساعة ضعف قد يتوهم أن الله غافل، فيأتي الجواب:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾
4 ـ من لوازم ( الأعلى ) أنه منزَّه عن ظلم العباد:
لذلك أنا أنصح الإخوة الكرام ألا تتورط برواية قصة لا تعرف فصولها كلها، إن كنت تعرف الفصول كلها من أول فصل إلى آخر فصل فيجب أن يقشعر جلدك لعدل الله عز وجل، ولكن نحن نرى الظاهر، نرى إنسانا مضطهَدا، نرى إنسانا رزقه قليل، والله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ (147) ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُظلَم الإنسان بلا ذنب منه:
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ))
وحسن الظن بالله ثمنه الجنة، وضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.
فيا أيها الإخوة، حينما تقول: سبح اسم ربك الأعلى معنى سبح يعني نزِّهه، معنى سبح مجِّد، فيجب أن تنفي عن الله عز وجل كل نقص متوهم، لذلك قالوا: الله واحد أحد، واحد ليس له شريك، وأحد ليس له مثيل، فكلمة أعلى كلّ شيء أعلى في حكمته، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، معنى بالحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
هذه المصائب التي تترى على المقصرين، على المذنبين، على الشاردين، على الغافلين، لو أن الله عز وجل لم يضيق عليهم ولم يعالجهم لقالوا يوم القيامة:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
الرسول هنا المصيبة:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
أيْ مصيبة:
﴿ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) ﴾
الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرة دار الجزاء والخلود:
لذلك أيها الإخوة، حينما تحسن الظن بالله، وحينما تسبح الله، وحينما تمجد الله، وحينما تعلم علم اليقين أن أسماء الله حسنى، أي كاملة كمالا مطلقا ترتاح نفسك، وهذا هو الإيمان الصحيح، أما أن تقول: لا إله إلا الله، ولك اعتراضات لا تعد ولا تحصى علي تصرفات الله عز وجل، فليس هذا من الإيمان، والعوام لهم كلمات هي الكفر بعينه، يقول لك مثلا: الله يعطي الحلوى لمن ليس له أسنان، هذا الكلام ليس له معنى إطلاقاً، لأن الدنيا دار ابتلاء.
أيها الإخوة، ورد في بعض الآثار أن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
أيها الإخوة الكرام، حياتنا الدنيا إذا قيست بالآخرة صفر، أوضح لكم ذلك:
مثلا: ضع الرقم (1) في الأرض، وأصفارا إلى الشمس، وكل ميليمتر صفر، ما هذا الرقم، هل يمكن لعقل أن يستوعب هذا الرقم ؟ واحد في الأرض ومئة وستة وخمسة مليون كيلو متر من الأصفار، وكل ميليمتر صفر، هذا الرقم ضعه صورة لكسر، وضع مخرجه لا نهاية، القيمة صفر، هذا من بديهيات الرياضيات، أيّ رقم مهما كان كبيراً إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، الآخرة لا نهاية.
طبعا الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، قال تعالى:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾
قد تجد امرأةً تأتي من أقصى الدنيا كي تخدم في بيت لتأخذ أجرا يسيرا جداً كي تطعم أطفالها، من دون اليوم الآخر ينشأ عندك مليون سؤال، مليون مشكلة، لكن اليوم الآخر يومٌ أبديّ إلي ما شاء الله، لذلك الإنسان قد يخسر الحياة الدنيا، قد تكون حياة الإنسان متعبة، خشنة، دخله قليل، لكنه مستقيم، والذي طغى وبغى ونسي المبتدا والمنتهى علي الشبكية يعيش في بحبوحة كبيرة جداً، لكن العبرة في الدار الآخرة، لذلك سيدنا علي رضي الله عنه يقول: << الغنى والفقر بعد العرض على الله >>.
عدلُ الله مطلقٌ لا يشوبه ظلمٌ:
النقطة الدقيقة في بداية هذا الموضوع الدقيق أن أفعال البشر نسبية، وكمالهم نسبي، والإنسان في الأعم الأغلب حكيم، في الأعم الأغلب رحيم، في الأعم الأغلب عادل، لكن كمال الله مطلق، لا يمكن أن يظلم عصفورا في ملك الله من آدم إلي يوم القيامة، هذا الإيمان، لأن الله عز وجل قال:
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ (17) ﴾
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) ﴾
في نواة التمرة رأس مؤنّف كالإبرة تماماً، هذا اسمه نقير، وبين فلقتي النواة خيط، هذا اسمه الفتيل، وفي النواة غلالة رقيقة قشرة شفافة هذه هي القطمير.
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ﴾
ولا قطميرا:
﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾
هذا اليقين بكمال الله يريح النفس، والإيمان شيء ثمين جداً، والمؤمن متوازن.
مثلاً: الله عز وجل قال:
﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) ﴾
أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ
هناك سؤال كبير: بيد مَن كانت الأمورُ حتى آلت إليه، الأمر بيد الله في الدنيا والآخرة، والآية متعلقة بالآخرة، لكن يبدو مِن صياغتها أن الأمر في الدنيا ليس بيد الله، ماذا قال علماء التفسير ؟ قالوا: هؤلاء الذين شردوا عن الله، هؤلاء الغافلون، هؤلاء ضعاف الإيمان يرون في الدنيا آلهة غير الله، يرون الأقوياء آلهة، يرون الطغاة آلهة، لكن المؤمن الحقيقي لا يرى في الدنيا مع الله أحداً، لا يرى فعّالاً إلا الله، لا يرى قهاراً إلا الله، لا يرى ناصراً إلا الله، لا يرى معطياً إلا الله، لا يرى رافعاً إلا الله، ولا خافضاً إلا الله، ولا معزاً إلا الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
فلذلك الأعلى من أسماء الله الحسنى، فهو واحد أحد، واحد لا شريك له، أحد ليس كمثله شيء.
5 ـ من لوازم ( الأعلى ) كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ:
الله عز وجل قال:
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ﴾
سمح لذاته العلية أن توازن مع مخلوقاته، وقد وصف الله بعض مخلوقاته مجازاً أنها خالقة، لكن الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء، بينما خالق البشر إذا خلق شيئاً يخلق كل شيء من لا شيء، وإذا صنع الإنسان شيئاً يصنعه من كل شيء، وعلى مثال سابق، بينما خالق البشر يصنع كل شيء من لا شيء ومن دون مثال سابق، فالله عز وجل سمح أن توازن ذاته العلية مع عباده كي تعرف الفرق.
أحيانا يصنعون كُليةً صناعية حجمها كحجم هذه الطاولة، يجب أن تستلقي إلي جانبها ثماني ساعات في الأسبوع ثلاث مرات، وازن بين هذه الكلية الصناعية وبين الكلية الطبيعية، هذا العضو الذي لا صوت له يعمل بانتظام ليلاً نهاراً، وأنت مرتاح، وأنت نائم.
وازن بين آلة التصوير وبين هذه العين، آلة التصوير بالمليمتر مربع فيها أكثر من عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما العين ففي المليمتر مربع من الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، القرنية شفافة شفافية مطلقة، مع أن الغذاء يتم في كل أنسجة الجسم عن طريق الأوعية، إلا في القرنية فعن طريق الحلول:
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
نقطة دقيقة: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، في الخلق إعجاز، في خلق السماوات والأرض، في خلق الإنسان، في خلق الحيوان، في خلق الأطيار، في خلق الأسماك، النباتات شيء معجز، أيعقل أن يكون هذا الإعجاز في خلقه لا يقابله كمال في تصرفاته ؟ لذلك قالوا: هناك آيات كونية، وهناك آيات تكوينية، وهناك آيات قرآنية، الآية العلامة الدالة علي عظمة الله، فالآيات الكونية خَلقه، والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه، لكن الأولى أن تبدأ بآياته الكونية، لأنها واضحة لا لبس فيها، جلية حاسمة ناطقة بكماله، أن تبدأ بآياته الكونية، وأن تثنّي بآياته القرآنية، وأن تؤخر التفكر في أفعاله بعد أن تتفكر في خلقه، وبعد أن تتدبر كلامه، خلقه وكلامه يلقيان ضوءًا علي أفعاله.
للمرة الأخيرة: لا يمكن أن ندرك عدل الله بعقولنا، لأن عقلنا قاصر، تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
دائرة المحسوسات والمعقولات والإخباريات:
دائرة المحسوسات:
العقل البشري قاصر، وكنت أقول دائما: هناك دائرة اسمها دائرة المحسوسات، أداة اليقين فيها الحواس الخمس، ومع تقدم العلم واستطالاتها كالمراصد والمجاهر ومكبرات الصوت إلى آخره، الدائرة الأولي دائرة المحسوسات، وهي شيء ظهرت عينه وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس واستطالاتها.
دائرة المعقولات:
أما الدائرة الثانية فهي دائرة المعقولات، هذه الدائرة شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداه اليقين في هذه الدائرة الثانية العقل، العقل مرتبط بالواقع، شيء غابت عنك عينه، طريق ترابي، رأيت آثار عجلات، تقول: لقد مرت سيارة على هذا الطريق يقيناً، ومن مسافة ما بين العجلتين تقدر حجم السيارة، ومن عرض العجلة تقدر مستواها، إذاً: أنت بآثار العجلات أيقنت أن هناك سيارة مرت، فالماء يدل علي الغدير، والأقدام تدل علي المسير، هذا اليقين الاستدلالي يقين عقلي، لكن في اليقين العقلي ذات الشيء غابت، وبقيت آثاره، لكن من دون آثار العقل لا عمل إطلاقاً.
أيها الإخوة، الله عز وجل لا تدركه الأبصار، ولكن تصل إليه العقول، لا أقول: تدركه، بل تصل إليه العقول، كما لو أنك تركب مركبة يمكن أن تقلّك إلى البحر، لكن لن تستطيع بهذه المركبة أن تخوض أمواج البحر، هذا اليقين الثاني، العقل مرتبط بالواقع، في الواقع قرص مدمج فيه سبعة آلاف كتاب، لو سألت إنسانا مات قبل خمسين عاما: هل تصدق أن في قرص سبعة آلاف كتاب ؟ مكتبة بأكملها بأربعة جدران ممتلئة بالكتب من الأرض إلي السقف في قرص صغير، وبنصوص مضبوطة بالشكل، وفيها بحث، وقد نبحث في كل هذه الكتب في ثلاث عشرة ثانية، شيء لا يصدق، لكن الآن هذا شيء واقع، العقل مرتبط بالواقع، أما لو سألت إنسانا: مات قبل خمسين عاما فإنه يتهم من يقول هذا الكلام بالجنون.
الدائرة الثانية: شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداة اليقين به العقل، الكون كله آثر من آثار الله عز وجل، الكون كله ينطق بوجود الله عز وجل ووحدانيته وكماله، الكون كله ينطق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، هذا شيء واضح.
دائرة الإخباريات:
أما الدائرة الثالثة فهنا المشكلة، الدائرة الثالثة شيء غابت عينه، وغابت آثاره، لا أثر أبداً ليوم القيامة، لو جبت الأرض كلها هل ترى يوم القيامة ؟ هل ترى آثاره ؟ الجن، الملائكة، وعندك آلاف الموضوعات أخبرنا الله بها، أداة اليقين بهذه الدائرة الثالثة الخبر الصادق، لذلك حينما لا تخلط بين الدائرة الأولى والثانية والثالثة فهذه القضية حسية، هذه القضية عقلية، هذه القضية إخبارية، ترتاح وتنتظم الأمور، لذلك قضية اليوم الآخر دليلها إخبار الله لنا، الدنيا محسوسة، ترى المرأة الجميلة علي شبكية العين، وترى القصر الرائع علي شبكية العين، وترى الطعام الطيب على شبكية العين، وترى المركبة الفارهة على شبكية العين، ولكن الآخرة والجنة كلمات في القرآن الكريم:
﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) ﴾
الإيمان بالغيب شيء عظيم:
لذلك الإٍيمان بالغيب شيء عظيم جداً:
﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ﴾
البطولة أن تؤمن بالغيب.
أنت متجه إلي حمص، لك مبلغ ضخم في هذه المدينة، وخرجت من دمشق، فإذا لوحة كتب عليها في ظاهر المدينة: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في مدينة النبك، ترجع، لكن ما الذي دعاك إلى أن ترجع ؟ هذا النص، خمس كلمات غيرت اتجاه المركبة، لكن لو أن دابة تمشي على هذا الطريق أين تقف ؟ في حمص، ما الذي حكم هذه الدابة ؟ حكمها الواقع، ما الذي حكم الإنسان ؟ حكمه النص، هذا الإيمان بالغيب، الله أخبرك بجنة ونار وحساب:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾
خاتمة:
هناك حساب دقيق، وتسوية حسابات بين البشر، لذلك ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما كركن الإيمان بالله واليوم الآخر.
إذًا:
﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾
كماله مطلق، وكمال البشر نسبي، هو واحد أحد، واحد لا شريك له، وأحد لا مثيل له.